الجمعة، 22 مايو 2009

قبل النوم بساعة









في كل مساء.. وقبل النوم بساعة..في أيام باردة كزجاج ..أمد يدي تحت غطائي وأسحب صندوقي وافك شرائطه وأزيح غطاءه..






قبل النوم بساعة..






سأعد بطاقات مغامرة البوكيمون ،وأرتب قطع صخور أجمعها من ساحة مدرستي ،ثم أنظف نظاراتي ببخار الماء يتصاعد من فمي في عز شتاء،واجففها برداء النوم وأغطس بين لحافي و سريري ....






قبل النوم بساعة..






سأشاهد صورة أمي تبتسم وتحمل أختي مريم ..






سأشاهد صورة أختي تلعب بلباس البحر الأحمرورذاذ الماء يتراقص حول ضفيرتها البنية ..






سأشاهد صورة أمي تقبلني في عيد ميلادي وأبي ينظر في مرح ،ينتظر كي أطفأ شمعات العيد..سأشاهد أبي برداء صوفي أسود و حذاء عالي الرقبة ،يحمل في يده مظلة وفي الخلف شوارع مبتلة والجو ضباب..






وأردد في سري كلمات كتبت خلف الصورة :






أرسل أشواقي وتحياتي،






لكل الأسرة..وخصوصاً أنت،سأعود قريباً






أفتقدك يا أحمد..






عشرة كلمات أحفظها ،لكني أحب قراءتها... قبل النوم بساعة..






ويتردد صوت في الردهة :ميعاد النوم ،بقيت عشر دقائق ..هيا ناموا يا أولاد.





سأعيد أشيائي للصندوق ..ولكن ،





بقيت ورقة ..ورقة جرنال مطوية فيها صورة أمي المبتسمة ،وبجانبها صورة أختي أيضاً مبتسمة ،وأبي يبتسم كذلك.





وعشرات الصور في الورقة ..مرصوصة..مصفوفة، فيها صور مبتسمة وصور لا تحمل أية بسمات ..وكل الصور تتذيلها أسماء ..





وفي أعلى الصفحة مكتوب بالخط الأحمر ..





لم ينج إلا طفل واحد





أحمد





وأغلق صندوقي وأحضنه ،وأشد غطائي حولي أتشبث فيه ،وأنتظر الغد ..





لأني في الغد، وقبل النوم بساعة.. سأرتب صندوقي وأشاهد أمي المبتسمة تحمل أختي مريم .









"إلى كل طفل وحيد في عالم موحش ،حتى لو أنتزعوا منك كل شيء.. سيبقى شيء لا يمكن أنتزاعه مثل صندوق أحمد"






اغسل قلبك يومياً


لم يكن في يوم من الأيام يهتم بتلك النوعية من الكتب التي تقدم نصائح وأساليب للحياة على شاكلة (كيف تصبح مليونير) أو (أقصر الطرق للسعادة)وكان دائماً يقول أن مؤلفي تلك الكتب من النصابين الذين لا يكلفون أنفسهم حتى تجربة ما يكتبون..

إلى أن جاءت تلك اللحظة التي اطلع فيها بالصدفة على عبارة في أحد هذه الكتب ،كانت العبارة تقول "اغسل قلبك يومياً" ،يومها ضحك حتى دمعت عيناه وهو يتصور منظر شخص يغسل قلبه بالصابون ،ثم يتركه ليجفف وبعد ذلك يقوم بكيه ليرتديه مرتباً.

لكن العبارة ظلت تلاحقه في السيارة والعمل والشارع ،وحتى أثناء نومه ظلت تتردد في أذنيه ..

في خلال شهر كان قد أعاد علاقاته بكثير من زملائه القدامى وسعى لإصلاح كل سوء تفاهم كان قد نشأ بينه وبين معارفه ..استطاع أن ينسى كل من آذوه أو ضايقوه وانطلق يحب كل الأشياء ..

الناس ،الأشجار ،الطرقات ،السماء والنسيم ..حتى أدق الأشياء التي لا يلاحظها أحد كنملة تتأرجح تحت ورقة شجر خضراء.

في خلال شهر أيقن أن التسامح نبل وأن الترفع عن الصغائر فروسية ..

في خلال شهر كان صفاء قلبه قد ظهر على وجهه حتى أنه عندما نظر في المرآه ذات صباح ابتسم و تمتم " اغسل قلبك يومياً" .

(قمت بنشر هذه القصة في مجلة كل الناس 1991 )