في كل مساء.. وقبل النوم بساعة..في أيام باردة كزجاج ..أمد يدي تحت غطائي وأسحب صندوقي وافك شرائطه وأزيح غطاءه..
قبل النوم بساعة..
سأعد بطاقات مغامرة البوكيمون ،وأرتب قطع صخور أجمعها من ساحة مدرستي ،ثم أنظف نظاراتي ببخار الماء يتصاعد من فمي في عز شتاء،واجففها برداء النوم وأغطس بين لحافي و سريري ....
قبل النوم بساعة..
سأشاهد صورة أمي تبتسم وتحمل أختي مريم ..
سأشاهد صورة أختي تلعب بلباس البحر الأحمرورذاذ الماء يتراقص حول ضفيرتها البنية ..
سأشاهد صورة أمي تقبلني في عيد ميلادي وأبي ينظر في مرح ،ينتظر كي أطفأ شمعات العيد..سأشاهد أبي برداء صوفي أسود و حذاء عالي الرقبة ،يحمل في يده مظلة وفي الخلف شوارع مبتلة والجو ضباب..
وأردد في سري كلمات كتبت خلف الصورة :
أرسل أشواقي وتحياتي،
لكل الأسرة..وخصوصاً أنت،سأعود قريباً
أفتقدك يا أحمد..
عشرة كلمات أحفظها ،لكني أحب قراءتها... قبل النوم بساعة..
ويتردد صوت في الردهة :ميعاد النوم ،بقيت عشر دقائق ..هيا ناموا يا أولاد.
سأعيد أشيائي للصندوق ..ولكن ،
بقيت ورقة ..ورقة جرنال مطوية فيها صورة أمي المبتسمة ،وبجانبها صورة أختي أيضاً مبتسمة ،وأبي يبتسم كذلك.
وعشرات الصور في الورقة ..مرصوصة..مصفوفة، فيها صور مبتسمة وصور لا تحمل أية بسمات ..وكل الصور تتذيلها أسماء ..
وفي أعلى الصفحة مكتوب بالخط الأحمر ..
لم ينج إلا طفل واحد
أحمد
وأغلق صندوقي وأحضنه ،وأشد غطائي حولي أتشبث فيه ،وأنتظر الغد ..
لأني في الغد، وقبل النوم بساعة.. سأرتب صندوقي وأشاهد أمي المبتسمة تحمل أختي مريم .
"إلى كل طفل وحيد في عالم موحش ،حتى لو أنتزعوا منك كل شيء.. سيبقى شيء لا يمكن أنتزاعه مثل صندوق أحمد"